عن مذكرة رأي الدكتور الفيلي



قرأت باهتمام بالغ مذكرة الدكتور الفيلي، فأنا من أشد المعجبين بآرائه القانونية، وأزعم - رغم عدم تخصصي - أنه من أفضل الخبراء الدستوريين في البلاد، وكنت على الدوام متى ما سنحت لي الفرصة أن أتابع مقابلاته التلفزيونية مستمعا ومستمتعاً بآرائه القانونية.

وعلى الرغم من أن مذكرة رأي الدكتور كانت مقتضبة. لكنها بالتأكيد مهمّة ويجب الالتفات إليها وقراءتها بعناية، حيث أنها صادرة عن أحد "المستشارين السبعة" الذين اعتمد عليهم وزير الداخلية لتبرير سحب جنسية آلاف كويتيات المادة الثامنة.

يشرح الدكتور الفيلي في مذكرته كيف أن فقرتي المادة الثامنة من قانون الجنسية تبدوان منفصلتين، وبالتالي فإن الفقرة الأولى تتحدث عن التجنيس بقرار، فيما الفقرة الثانية تتحدث عن التجنيس بمرسوم، وهو كلام لا يختلف عليه اثنان، لكن المشكلة تكمن في جزم الدكتور الفيلي بأن المادة 11 مكرر واضحة في أن جميع الحاصلين على جنسية المادة الثامنة يجب أن يحصلوا عليها بمرسوم حيث حصر السحب بنفس آلية المنح وهي المرسوم.

نظريًا الكلام صحيح، لكن في الواقع العملي، يمكننا هنا الحديث عن ما تسمى بـ "الثغرة القانونية"، حيث على ما يبدو أن المشرّع حين أدخل هذه التعديلات، لم يكن يقصد أن يمنح الجنسية وفق المادة الثامنة بمرسوم، وإنما بقرار، والدليل أن المشرّع ذاته (أي الحكومة برئاسة الشيخ سعد والتي استمرت حتى العام 2003)، رغم اقتراحها تعديلات الجنسية عام 1980، لكنها لم تغير ممارسته، وواصلت تعطي الجنسية وفقاً للمادة الثامنة بقرار وزاري لا مرسوم.

وإذا افترضنا أن الحكومة كانت تقصد أن تمنح الجنسية وفقا للمادة الثامنة بمرسوم كما جاء في المادة 11 مكرر، فإننا هنا نتكلم عن تعامل الحكومة (ممثلة بوزارة الداخلية) بسوء نية مع عشرات آلاف السيدات اللاتي أصبحن كويتيات بموجب هذه القرارات منذ العام 1980 حتى العام 2024، وهو ما يفرض تبعات قانونية على الحكومة لا نعتقد أنها تريدها من أساس.

إلا أن الاختلاف في هذه الجزئية مع الدكتور الفيلي لا تفسد للود قضية، حيث أننا متفقون في أن ما حدث خطأ إجرائي من الدولة. والسؤال الذي يجب أن يسأل هنا كيف قرر الوزير الحالي أن من يتحمل مسؤولية الخطأ الإجرائي هن كويتيات المادة الثامنة، ثم ما الذي كان من المفترض أن تقوم به هذه السيدة التي حصلت على الجنسية بقرار من وزير الداخلية؟ أن تذهب لمكتب الوزير وتقول له، كلا لا أريد الجنسية، يجب أن تصدر مرسومًا من أجلي وإلا فلن أقبل الحصول على الجنسية؟ وبالأساس من لديه الإلمام التام بالقوانين بهذا الشكل التفصيلي؟ وما مسؤولية الدولة كدولة بما فيها من مؤسسات كالفتوى والتشريع، ووزارة الداخلية، الجهة المانحة للجنسية هنا وصولاً إلى مجلس الوزراء.

إن تعديل هذا الخطأ الإجرائي واضح وجلي، ولا يحتاج لمفسرين قانونيين، إما صدور مرسوم بتجنيس كل من صدرت بحقهن قرارات وزارية، أو تعديل قانون الجنسية، بحيث يحصر منح الجنسية وفق المادة الثامنة على آلية القرار كما كان معمول به قبل العام 1980، مع ما يترتب عليه من تعديل على المادة 11 مكرر في قانون الجنسية.

أما الدكتور الفيلي الذي أكن له كل الإحترام والتقدير، فالمطلوب منه أن يخرج للحديث بصراحة وبلغة سياسية واضحة دون دهاليز اللغة القانونية التي قد لا يفهمها معظمنا، وأن يقول رأيه في من يتحمل مسؤولية هذا الخطأ الجسيم وما هو السبيل لتصحيحه، فالتاريخ يسجل ولن يرحم.


وللحديث تتمة



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تصنع 100 ألف معارض في 60 يوما؟

لجنة التظلمات تباشر أعمالها… ما العمل؟

الوزير اليوسف يكذب عليكم: جوازات كويتيات المادة الثامنة الزرقاء هي نفسها جوازات المادة 17