فهد اليوسف والسلطة المطلقة
منذ إقرار الدستور لم تنعم الكويت بأي حال من حالات الاستقرار السياسي المعقول، كانت الأمور دائمًا تتجه نحو التأزيم، إن بسبب وجود مجلس الأمة أو بسبب غيابه، إلا أن وجود المجلس كان عاملًا مهمًا في خلق حالة من التوازن بين الأسرة الحاكمة (والتجار معها)، والشعب عبر ممثليه.
كثير هو الكلام الذي ممكن قوله عن فترة المغفور له الشيخ عبدالله السالم، أبو الدستور، وعن الظروف التي أدت إلى انتخاب مجلس تأسيسي ووضع دستور تعاقدي بين الشعب والأسرة، يحكم وينظم العلاقة بعيدًا عن المكرمات والهبات التي تعطى من الحاكم على شكل "عطيّة" لأفراد الشعب، لكن الأكيد أن الشيخ عبدالله السالم تنازل عن صلاحيات مطلقة كان يملكها وربما كان يشاركها مع كبار التجار، لتصبح متوزعة بينه وبين عامّة الشعب.
إلا أن إيجاد مجلس للأمّة ومشاركة كل هذه الصلاحيات مع أناس عاديين، لم يرق لكثير من نخب الحكم (نتحدث هنا عن الشخصيات المؤثرة في الأسرة والتجار الذين لا يجب الاستهانة بدورهم مطلقًا). لذلك بالعودة إلى مضابط الجلسات في المجالس الأولى، نرى أن استجواب أي وزير كان من المحرمّات، فضلًا عن استجواب وزراء من أبناء الأسرة، أما رئيس الحكومة فالأمر كان أشبه بالمحرّم الذي لم يجرؤ النواب على تخيله حتى.
لكن مع استمرار العملية السياسية، تصبح المحظورات أمورًا مباحة، وتتحول المحرمًات إلى أمور طبيعية يمكن لأي منا أي يشاهدها ولا يشعر بأي شيء استثنائي (من منا كان يتفاجأ بتقديم استجوابات لرئيس الحكومة في السنوات العشر الأخيرة؟)
وبالعودة إلى من لم يعجبهم النظام السياسي الجديد، نرى كيف أن المغفور له الشيخ سعد العبدالله تعامل بجفاء مع نواب الأمة، بل كان في أحد لقاءاته الأولى معهم (كما يرويها المرحوم أحمد الخطيب)، لا يريد حتى النظر إلى وجوههم، حينما بادره الخطيب بإلقاء نكتة سياسية لترطيب الأجواء في لقاء مشحون.
ولهذا نرى أن الحاكم لجأ إلى استخدام أداة الحل بشكل مكثّف، وكانت في ثلاث حالات حلولاً غير دستورية، أي أنها تمت دون الإعلان عن انتخابات مقبلة وتم خلالها تعليق العمل ببعض مواد الدستور، وهو ما أدى لفقدان حالة التوازن في الحياة السياسية.
في الحل الثاني للمجلس عام 86، يمكننا القول أن الصلاحيات ذهبت بشكل شبه مطلق إلى رئيس الحكومة، ولي العهد آنذاك الشيخ سعد (بالمناسبة فإن الشيخ سعد قبل تصديه لولاية العهد كان يجمع بين منصبي وزير الدفاع والداخلية)، الذي باتت بيده السلطتين التشريعية والتنفيذية نظرًا لغياب المجلس، ونلاحظ أيضًا أنه حتى إن كانت نيّة من استلم هذه السلطات سليمة، إلا أن الأمر أدى إلي كوارث لا يمكن تغافلها أو التعامي عنها.
في الحل غير الدستوري الأخير الذي حدث قبل أقل من سنة من الآن، تشكلت حكومة سرعان ما اكتشف الكويتيون أنها تدار من قبل النائب الأول للرئيس. أصبح الشيخ فهد اليوسف حديث الدواوين وتتزين بصورته الصحف ومواقع الخدمات الإخبارية، بل أصبحنا نشاهد صوره في وسائل الإعلام أكثر من صور صاحب السمو، ولي العهد و رئيس الوزراء مجتمعين، والسبب واضح في أن سمو الأمير وسمو ولي العهد لا يتدخلان في الأمور اليومية للبلاد، فيما رئيس الوزراء مع كل الاحترام له، ذو شخصية ضعيفة، كما وأنه غاب في الأسابيع الأخيرة عن اجتماعات الحكومة الأسبوعية التي ترأسها اليوسف.
هكذا أصبح اليوسف وزيرًا للدفاع، ووزيرًا للداخلية، ورئيسًا للحكومة بالإنابة، وهو في نفس الوقت يرأس اللجنة التي تحدد من يستحق أن يكون كويتيًا ومن لا يستحق، ومن هنا، وإن كانت نوايا اليوسف حميدة في الحفاظ على الهوية الوطنية، إلا أن امتلاكه لكل هذه الصلاحيات بالإضافة إلى الصلاحيات التشريعية لمجلس الأمة الذي تم حلّه والتي أحيلت لمجلس الوزراء أيضاً، حولته إلى شخص فوق القانون، لا يمكن لأحد مراقبة أدائه أو محاسبته إن أخطأ.
إن امتلاك شخص واحد للصلاحيات التشريعية والتنفيذية، وتمكّنه من قول الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالهوية الوطنية دون وجود أي رقابة حقيقية عليه، مفسدة في جميع الأحوال، وإن خشية النخب (نواب سابقين ونشطاء وغيرهم) من انتقاد اليوسف وهم داخل البلاد، لهو الدليل الأبرز على السلطات المطلقة التي بات يملكها هذا الرجل، والتي باتت تهدد الاستقرار السياسي في البلاد.
وللحديث تتمة.
تعليقات
إرسال تعليق