عن الأمن المالي في الكويت بعد معاقبة رافضي "البيومترية" وتبعات سحب الجناسي
نستطيع القول أن أولى محاولات العصيان للأوامر الحكومية في الشأن المدني على نطاق واسع بدأت مع تفشي فيروس كورونا، والإجراءات التي اتبعتها الحكومة، وصولًا لمحاولة فرض اللقاح على سكان البلاد من مواطنين ومقيمين بصورة غير مباشرة.
حينها كان من يرفض التطعيم يحرم من دخول المجمعات، المطاعم، يمنع من السفر لأن شروط المغادرة والعودة الجديدة تتضمن أخذ جرعتين من أحد اللقاحات المرخصة.
لكن سرعان ما انقضت آثار تلك الحقبة، ومعها انتهت أي آثار متوقعة على من رفضوا التطعيم. كنت من أشد المؤيدين لأخذ اللقاح، والحقيقة أرى أن من صبروا على إجراءات الحكومة ورفضوا الامتثال لمحاولات إجبارها، انتصروا في النهاية، حيث عادوا يسافرون بشكل طبيعي، ويرتادون المطاعم والمجمعات التجارية، ويزاولون أعمالهم في القطاعين الحكومي والخاص دون أي آثار حقيقية.
لكن المحك كانت البصمة البيومترية، وأنا هنا لست في صدد اتخاذ موقف من الإجراء بحد ذاته، فلكل طرف وجهة نظر محترمة ومبنية على أسس منطقية، وإن كنت أميل لعدم فرضها على سكان البلاد لكني أتفهم الجوانب الأمنية للقرار. لكن المشكلة مع البصمة البيومترية أنها جاءت في فترة تعليق الدستور (وأنا شخصيا صرت مقتنع بأن الدستور بكل أحكامه بات معطلًا، وأننا لم نعد نعيش في زمن القانون والدستور إطلاقاً). هنا كشّرت الحكومة عن أنيابها وأظهرت لمواطنيها إلى أي مدى هي مستعدة بالذهاب بعيدا في فرض البصمة على الجميع، من أولى عقوبات رافضي البصمة منعهم من دخول البلاد، في مخالفة دستورية بمنع مواطن من العودة إلى الوطن "لا يجوز إبعاد كويتي عن الكويت أو منعه من العودة إليها - المادة 28"، وهو ما حدث مع النائب شعيب المويزري، بوثامر، حين منع من الدخول بسبب رفضه لقرار البصمة البيومترية.
ومن العقوبات التي فرضتها الدولة أيضاً ضد رافضي البصمة البيومترية، وبالمخالفة للدستور، تجميد أموالهم في إجراء أقرب للمصادرة دون سند قانوني، حيث تمنع الدولة اليوم المواطن من التصرف بأمواله الخاصة دون حكم قضائي، وخارج إطار القانون، وقد كان الدستور صريحا في هذا الموضوع "المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي، في الأحوال المبينة بالقانون - مادة 19". وفي هذا المجال قرأنا لعشرات المواطنين ممن رفضوا إجراء البصمة البيومترية، وكيف أنهم لأشهر ممنوعون من الوصول لأموالهم الخاصة في مخالفة دستورية وقانونية صريحة.
ارتأى الوزير فهد اليوسف أن أحدًا لا يستطيع الوقوف ضده، خصوصًا مع غياب المجلس، فصار من السهل عليه اتخاذ قرار بتجميد الحسابات البنكية للمواطنين تحت أي حجة. وقد توسع في هذا الأمر مع مجزرة الجناسي التي تشرف عليها الحكومة اليوم بسحب جنسيات آلاف المواطنين والمواطنات ظلما وبالمخالفة الصريحة للقانون والدستور "لا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها إلا في حدود القانون - مادة 27".
كذب الوزير اليوسف بعيون مفتوحة حين زعم أن رواتب المسحوبة جناسيهن بشكل غير قانوني من كويتيات المادة الثامنة أو معاشاتهن التقاعدين لن تمس، والواقع أن رواتبهن توقفت، رغم مزاعم الوزير الذي يستمر في سحب الجناسي دون هوادة، بل أكثر من ذلك إن من تسحب جنسيتها يتم تجميد حساباتها البنكية بشكل مباشر وتمنع من التصرف في أموالها الموجودة في البنوك، وهو ما أدى إلى حالة من الهلع لمن يمتلكون مدخرات من كويتيات المادة الثامنة، حيث سارعن (بعضهن) إلى فتح حسابات بنكية في دول خليجية وقمن بتحويل أموالهن على الفور لضمان الولوج إليها في حال سحب جناسيهن، وقامت عدد من كويتيات المادة الثامنة ممن يستطعن مغادرة البلاد إن بسبب تقاعدهن من وظائفهن أو امتلاكهن لمهن حرة، بالسفر إلى دول خليجية للإقامة بشكل مؤقت لحين اتضاح الرؤية، ولتجنب أي محاولات لإرغامهن على التوقيع على أوراق تنازل عن الجنسية الكويتية.
وعلى ما يبدو فإن هذا هو الوضع الذي ستكون عليه الأمور من اليوم فصاعداً، ما دمنا نعيش مع حكومة دون برلمان، سيستمر اليوسف في إجراءاته القمعية، وهو ما يعني أن ضمان عدم المساس برؤوس الأموال والأموال الخاصة بالأفراد في البلاد لم يعد موجودًا. من يضمن أن لا تسحب جنسيته لأي سبب أو حجة ولا يتبع ذلك فصله من عمله أو الحجز على أمواله وأملاكه؟ من يضمن أن لا تؤدي عداوة أو خلاف شخصي بينه وبين اليوسف، إلى صدور أوامر انتقامية غير قانونية من الوزير للبنوك بتجميد أرصدته البنكية؟
إن ما يقوم به الوزير اليوسف ستكون له ارتدادات كبيرة على مستقبل البلاد. قد لا يراها الناس بشكل مباشر وسريع، لكن على المستوى البعيد فإن هذه التصرفات والأفعال غير القانونية والدستورية تغامر بسمعة البلاد واستقرارها المالي والسياسي، والاجتماعي أيضًا، ولن يكون الأمر محصورًا على مستوى الأفراد فقط.
وللحديث تتمة
تعليقات
إرسال تعليق