زلزال جنيف… ماذا بعد؟



كان بالإمكان أن تكون جلسة المراجعة الدورية الشاملة لملف الكويت الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، جلسة روتينية لا تأخذها الناس على محمل الجد. كلام ممجوج ومعاد ومكرر عن ظلامة البدون التي لا تلقى اهتمامًا حقيقيًا من المجتمع، وبعض الحديث عن حقوق العمالة الوافدة وكلام آخر عام عن محاربة الاتجار بالبشر …الخ.

لكن الجلسة هذا العام جاءت على وقع مجزرة سحب الجناسي التي طالت عشرات آلاف المواطنين والمواطنات بشكل تعسفي مثير للاستفزاز. بيد أن مواقف الدول الأعضاء كان يمكن لها أن تكون أقسى وأشد، لو كان لدينا معارضة حقيقية فاعلة ونشطة، بدلًا من المعارضين بصورة فردية. 

من اللافت هنا الإشارة إلى أن المعارضة بالخارج هي عبارة عن مجموعة أشخاص يعملون بشكل فردي ومنفرد، لا كمجموعة تعمل وفق أجندة منظمة معدة مسبقا وبتنسيق عالي. وإن كانت نوايا معظم المعارضين في الخارج طيبة، ويعملون بجد وإخلاص، إلا أن هناك بعض الأشخاص "المدّعين" للمعارضة الذين هم ليسوا بمعارضين أساساً وإنما يتخذون من المعارضة منبرا للشهرة أو الارتزاق، أو دعم أطراف (أقطاب) داخل الأسرة على حساب أخرى.

بالعودة لجلسة جنيف، أقول إنها كان بإمكانها أن تكون أشد وطأة وقساوة على الحكومة. هذا لا يعني أن الجلسة كانت جلسة "نقاهة" لحكومة الكويت، فالدول الأعضاء وخصوصًا الدول الغربية الكبرى (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، سويسرا، كندا) وغيرهم، لم تنطلي عليهم حيل وأكاذيب الحكومة فيما خص الوضع الحقوقي في البلاد، بل مداخلاتهم كانت تأكيد على معرفة المجتمع الدولي بمكامن الخلل في الكويت بشكل دقيق جدًا، بعيدًا عن تملّق الدول العربية والإسلامية التي تربطها المصالح والتي لا تستطيع إحداهن المزايدة على الأخرى أو لعب دور الشريف، فجل هذه الدول إن لم تكن كلها متورطة بشكل فضيع في انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان من الأساس.

كلنا شاهدنا الجلسة أو اطلعنا على ملخصها، والسؤال كان دائما، ماذا بعد؟

يفترض أن يتم اليوم (الجمعة 9 مايو 2025) اعتماد التوصيات والتصويت عليها. على الأرض لن تتحول التوصيات إلى برنامج عمل حكومي لحل المشاكل، فالمراجعة الدورية القادمة ستكون بعد حوالي 5 أعوام أيضًا، لكن هناك خطوات يمكن القيام بها من قبل المعارضة في الخارج تحديدًا، والبناء عليها.

1- إنشاء منظمة حقوقية كويتية، مهمتها الأساس العمل بشكل محترف لرصد كل انتهاكات حقوق الإنسان، دون خضوعها لأهواء المؤسسين أو ميولهم السياسية. بمعنى أن هذه المنظمة يجب عليها أن ترصد انتهاكات بحق الكويتيين والبدون، الحضر والبدو، السنة والشيعة، المواطنين والوافدين، وأن لا تغفل أي انتهاك حكومي بحق أي فرد أو جماعة أو فئة. وهذه التقارير التي يفترض بها أن تنشر بشكل مباشر على الموقع الإلكتروني للمنظمة، يجب أن ترسل للمنظمات الحقوقية البارزة (تحديداً منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش) حيث من الملفت غياب المنظمتين وعدم إصدارهما أي بيان خاص بالكويت منذ حل البرلمان وكل الانتهاكات اللاحقة التي حصلت بما فيها سجن النشطاء والسياسيين وسحب جناسي عشرات آلاف المواطنين تحت مزاعم واهية.

أيضا ستكون على هذه المنظمة الحقوقية مسؤولية التواصل مع وزارات خارجيات الدول الغربية التي عادة ترحب باللقاء بالمعارضين، للاستماع إليهم، وإن كان الأمر سيأخذ وقتا لبناء شبكة علاقات تؤهل القائمين على لقاء الدبلوماسيين الغربيين.

ومن مهام هذه المنظمة سيكون التسجيل في مجلس حقوق الإنسان كمراقب، ولاحقا يمكنها الإدلاء بمداخلات خلال مناقشة ملفات الدول، بدلا من الاكتفاء بمداخلة الدول الأعضاء، وهذه خطوة مهمة جداً.


2- تكوين موقع إخباري مستقل، وظيفته الأساسية نشر التقارير الصحفية ذات التوجه النقدي للحكومة بعيدًا عن التطبيل وكيل المديح الذي باتت تجمع عليه الصحف المحلية في البلاد للحكومة ورئيسها الفعلي فهد اليوسف. والفكرة هنا أن تكون هناك وسيلة إعلامية تنقل معاناة الناس، والأخبار التي لا تغطيها الصحف. كيف يعيش من سحبت جنسيته الآن؟ ماذا عن الذين رفضوا إعطاء بصمتهم البيومترية، ما هو وضعهم القانوني ولماذا يتم تجميد أرصدتهم. أين ينام البدون وكيف يستطيعون تأمين احتياجاتهم، وهكذا عشرات آلاف القصص والحكايات التي بالإمكان نقلها في وسيلة إعلامية رصينة ذات مصداقية عالية، وأن توفر موادها باللغة الإنجليزية، كي تكون الهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية قادرة على الوصول إلى المعلومة الخاصة بالكويت بسهولة بالغة، والبناء عليها في التقارير والمواقف.


بطبيعة الحال مثل هذه الأفكار تحتاج إلى تمويل وإلى عمل وجهد حقيقي ومثابرة، وهو عمل يختلف كليًا عن الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن الشأن العام وانتظار تفاعل الناس (وأنا لا أقلل من هذه الخطوات)، لكن طبيعة هذا العمل أنه مختلف، ويحتاج لوقت طويل للبناء عليه وانتظار نتائجه، إلا أنها خطوات لابد منها إن كنا نريد إيجاد حلول للمآسي التي بدأت تقع على رؤوسنا واحدة تلو الأخرى.


أخيراً، مثل هذا العمل، سيتطلب جهدا ووقتا وصبرا، فلا يتوقع أحد أن هناك حلًا سحريا لمشاكل البلاد إن هو قام بخطوة هنا أو خطوة هناك، لكنها دعوة مني للمعارضة لتنظيم صفوفها والعمل بشكل احترافي للوصول للهدف المنشود.


وللحديث تتمة




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تصنع 100 ألف معارض في 60 يوما؟

لجنة التظلمات تباشر أعمالها… ما العمل؟

الوزير اليوسف يكذب عليكم: جوازات كويتيات المادة الثامنة الزرقاء هي نفسها جوازات المادة 17