متى يصبح الإنسان كويتيًا؟ عن سحب جنسية داوود حسين ونوال
في عددها الصادر يوم الأحد 24 مارس 2003، نشرت الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) مرسومًا أميريًا حمل الرقم 70 صادر عن أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه، منح بموجبه الفنان القدير داوود حسين والفنانة الرائعة نوال شرف الجنسية الكويتية.
فرح داوود وفرحت نوال كثيرًا، شكروا صاحب السمو وسمو ولي العهد ووزير الداخلية وكل الدولة على هذا الشرف الكبير باعتبارهم كويتيين قانونًا وبشكل رسمي، فهما عاشا ككويتيين ومارسا حياتهما ككويتيين طوال عقود مضت، وأثروا الساحة الفنيّة بكل ما هو جميل رافعين اسم البلد الوحيد الذي عرفوه منذ نعومة أظفارهم.
وحتى في المادة التي جنسوا على إثرها (المادة الخامسة - فقرة 1)، حكاية تقدير لداوود ونوال، حيث رأي صاحب السمو أنهما قدما خدمات جليلة للبلاد في الساحة الفنية، استحقّا على إثرها الجنسية الكويتية.
مضى على تجنيس دواوود حسين ونوال 21 عامًا ونيف، وبموجب القوانين المحليّة فقد اكتسبا قبل عام ونيف (مارس 2023) آخر حق من حقوقهما الدستورية والقانونية كمواطنين، بمباشرة الحق السياسي في التصويت والانتخاب، أي أصبحا كويتيين بالكامل. إلا أن الوزير الحالي فهد اليوسف قرر قبل أيام أن داوود ونوال لا يستحقان الجنسية الكويتية، وقام برفع أسماءهم ضمن أسماء أخرى قد تحوي مزورين أو مزدوجين، لمجلس الوزراء الذي بدوره اعتمدها ليصدر المرسوم الأميري بتجريدهما من الجنسية الكويتية.
على مدى عقود - قبل حصولهما على الجنسية الكويتية وبعدها - قدّم داوود ونوال الكثير والكثير من الأعمال الفنية باسم الكويت ومن أجلها، بل كانا كويتيين أكثر من آخرين يحملون الجنسية بالتأسيس، فلم يعتديا على المال العام، ولم تتضخم أرصدتهم البنكية بسبب المناقصات المشبوهة، ولم تثر حولها شبهات فساد مالي أو غيره، كانا كويتيين خدما بلدهما بإخلاص طوال أكثر من عشرين عاماً، قبل أن يقرر اليوسف بجرّة قلم أن يجردهما من الجنسية دون سبب واضح/قانوني أو حتى مقنع.
أول ما وصلني خبر سحب جنسية داوود ونوال، سألت نفسي هذا السؤال، متى يكون الإنسان كويتيًا؟ ثم ما هو المسوغ القانوني لتجريد كويتيين من جنسيتهم؟ أغرفت في التفكير وتساءلت، كيف تأتي أحد الجرأة أن يسحب الجنسية من شخص حصل عليها من صاحب السمو الذي قرر أن هذا الشخص قدم خدمات جليلة للبلاد؟
والسؤال الآخر، كيف للوزير أن يرى من حقّه تقديم تفسيره الخاص بالخدمات الجليلة للدولة؟ ماذا لو منحت الجنسية لرياضي مثلاً لأنه اعتبر في يوم من الأيام أنه قدم خدمات جليلة للبلاد، ثم جرّد منها لأن وزيرًا يكره الرياضة أو لا يراها شيئًا مهما يستحق على أساسها أي إنسان أن يحصل على الجنسية؟
ما هي الخدمات الجليلة التي يرى اليوسف أن من حق الإنسان في الكويت أن يحصل بموجبها على الجنسية الكويتية؟ هل أن يكون عالم نووي مثلاً ويقيم مفاعلاً نووياً فيعتبر قدم خدمات جليلة للبلاد؟ أم يكون تاجرًا أقام مشاريع بملايين الدنانير فيعتبر قدم خدمات اقتصادية جليلة للبلاد؟ هل الطبيب أو المدرس الذي خدم البلاد لثلاثين أو أربعين عاما يعتبر ممن قدموا خدمات جليلة للبلاد؟
رحت بعيدًا في طرح الأسئلة على نفسي، لم أجد جوابًا شافيًا أو وافيًا لها، وبقيت حائرًا لفترة امتدت لساعات، وأعتقد أن كثيرين كانوا مثلي.
إن المشكلة الحقيقية من سحب جنسية داوود ونوال وأي شخص من حملة الجنسية وفقا للمادة الخامسة الفقرة الأولى (بند الخدمات الجليلة)، أنها تتعدى على صلاحيات سمو الأمير الذي يحق له ودون أي معايير أو ضوابط، أن يمنح من يريد الجنسية الكويتية. وقد وضع المشرّع هذا البند للحاكم كجزء من صلاحياته التي لا ينازعه عليها أحد، مثلها مثل صلاحية العفو الخاص والعام وصلاحيات أخرى، وهو أمر معمول به في كثير من الدول المجاورة وحتى الدول المتقدمة.
ثم إن هذه الخطوة تفتح الباب لعدم الثقة بأي قرار صادر عن أي سلطة من سلطات البلاد وصولاً لسمو الأمير، لأن أي عهد آخر، قد يتراجع عن هذه القرارات، وهو ما سيترك انعكاسات مستقبلية خطيرة على البلاد في مختلف المجالات كما وسيترك أثرًا سيئًا على سمعتها.
إن الكويت بلد قانون ودستور، وأيضاً فيها من الأعراف التي تكرّست مع تعاقب السنين، وأصبحت جزءًا مكملاً للقوانين المتبعة، وإن نقضها أو هدمها بهذه البساطة أمر في غاية الخطورة، ويجب أن يتوقف عندها المسؤولون كثيراً.
وللحديث تتمة
تعليقات
إرسال تعليق