اليوسف ومهمة تحويل الكويتيين إلى مجتمع "وشاة"!
قبل أشهر ومع إعلان الحكومة عن بدء عملية غربلة ملفات الجنسية بحثًا عن المزورين والمزدوجين، نشرت وزارة الداخلية (15 مارس 2024) أرقام خط ساخن تابع لمباحث الجنسية، وذلك للإبلاغ عن أي حالات ازدواج أو تزوير.
الكثير من الأسئلة دارت في نفسي وأنا أقرأ الخبر، أولها: أين آلاف بل عشرات الآلاف المزورين (450 ألف حسب مرزوق الغانم و800 ألف حسب محمد المقاطع)، والذين من المفترض أن تلاحقهم الدولة وتسحب جناسيهم وتحيلهم للمحاكمة؟
السؤال الثاني: ما الذي سيحدث في حال إدلاء أي شخص بصورة سرية (أو بشكل مجهول) بمعلومات مغلوطة أو مظللة تهدف لتصفية حسابات شخصية. بمعنى آخر، ماذا لو قام شخص لديه خلاف شخصي معي بإجراء اتصال من رقم هاتف مجهول وادعي أنني مزدوج أو مزور؟ هل يعني ذلك أنني سأدخل في دوامة لإثبات أنني كويتي 100٪ دون وجود شائبة في ملفّي؟ هل ستتخذ ضدي إجراءات تعسفية مثل منع السفر أو تجميد حساباتي البنكية أو أي شيء آخر، لحين التأكد من سلامة ملفي؟ وما الذي سيحدث للمُبَلغ الذي أدلى بشهادة كاذبة بهدف الانتقام ولتصفية حسابات شخصية؟
السؤال الثالث: ما هو الدور الحقيقي لمباحث الجنسية؟ ولماذا على المواطن أن يقوم بمهام أجهزة الدولة التي يدفع لموظفيها رواتب ويتلقون العلاوات والترقيات بشكل طبيعي؟
السؤال الرابع: هل يريد الوزير اليوسف أن يحول الكويتيين إلى مجاميع من الوشاة، وهل يعلم أن هذه التصرفات هي التي كانت متبعة من أنظمة مثل نظام البعث العراقي البائد، ونظام البعث السوري البائد هو الآخر ونظام علي عبدالله صالح غير المأسوف على رحيله وغيرهم من الأنظمة الدكتاتورية الشمولية في وطننا العربي. هل يطمح الوزير اليوسف أن يعيش الشعب الكويتي حالة اللا أمان الاجتماعي، حيث لا يأتمن الشخص على نفسه من أخيه أو زميله في العمل أو صديقه في الديوانية؟
ربما لم يفكر الوزير اليوسف في كل هذه الأمور، وأنا سأحسن الظن به قدر المستطاع، وأقول إنه اتخذ قراراته بشكل ارتجالي وهو لا يفكر في الآثار المترتبة على هذه القرارات، كما أن ما نراه من طريقة تعامله في مختلف الملفات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه شخص ذو إمكانيات محدودة لا يمتلك أي بعد نظر أو حنكة أو ذكاء سياسي على الإطلاق، لكن النتيجة واحدة وهي أننا تحولنا إلى مجتمع وشاة، يقوم البعض بالوشاية على البعض الآخر بشكل روتيني واعتيادي.
ألم تلاحظوا معي أن عددًا غير قليل من المتواجدين على شبكات التواصل الاجتماعي باتوا يقومون بعمل إدارة الجرائم الإلكترونية، فما إن يقرأوا تغريدة أو يشاهدوا مقطعًا ينتقد الحكومة بطريقة قد تفتح الباب أمام مساءلة قضائية، إلا وقاموا بعمل "منشن" للداخلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. في السابق كان يكفي أن لا تلتفت لك أجهزة الدولة الأمنية والقضائية كي تكون بمنأى عن أي ملاحقة قضائية أما اليوم فالأمر أصبح مختلفاً. ثم إن آخرين ذهبوا أبعد من ذلك وأخذوا على عاتقهم رفع قضايا تجاه الآراء الناقدة والمعارضة للدولة، وبات من الطبيعي أن نسمع عن قضايا مرفوعة ضد أشخاص من قبل أشخاص مثل القضية المرفوعة ضد النائب السابق محمد المطير المتهم فيها بالتطاول على مسند الإمارة والإساءة للقضاء، فهي في الحقيقة قضية رفعت من مواطن ولم يكن الأمر نتيجة تحقيقات الداخلية أو اتهامات النيابة العامة. كما أن التحريض بات سمة عدد كبير من الحسابات إن كانت وهمية أو حقيقية، وأصبح المغرد يخشى الإدلاء برأي قد يُفهم منه إهانة للقضاء أو التطاول على المقام السامي أو غيره، حيث سيتكفل مواطنون بمهمة الإدعاء العام وسيقومون بتوجيه التهمة لك أوالتحريض عليك لحين اتخاذ إجراءات بحقك.
إن هذا الانحدار الذي يعاني منه المجتمع بحاجة لوقفة جادة، وإن المحب للوطن وأظن أن الوزير اليوسف أحدهم، عليه النظر أبعد مما هو أمام عينيه، ليكتشف أن تصرفاته وإجراءاته لا تبني دولة ولا تخلق حالة من الصرامة في تطبيق القانون، بل تخلق مجتمع وشاة وحالة من الشعور بالقمع الذي قد يرتد على شاكلة حراك شعبي غير محمود العواقب.
وللحديث تتمة
تعليقات
إرسال تعليق