أبعد من سحب جناسي المادة الثامنة: العين على الوظائف العليا والحساسة



منذ بدأت الحكومة سحب جناسي كويتيات المادة الثامنة وأنا في حيرة من أمري، كانت زوجتي تكرر عليّ أن ما يحدث "لصوصية العصر الحديث" مستندة إلى الإجراءات التي اتخذت بحق من سحبت جناسيهم في قضايا "تزوير وغش" مزعومة، إذ لقي هؤلاء أنفسهم فجأة بلا منزل ولا وظيفة، ومطالبين برد ملايين الدنانير قيمة رواتب ومميزات مالية حصلوا عليها جيلًا بعد جيل.


نظرية زوجتي تتلخص في أن الحكومة كانت ترغب في حصد مبالغ مالية على غرار حادثة الريتز في الرياض، حين جمع الأمير محمد بن سلمان أثرياء البلاد في تهم فساد، واستطاع إرغامهم على إبرام تسويات مالية بمئات ملايين الريالات السعودية لصالح الدولة، دون اللجوء لإي إجراءات قضائية تأخذ أوقاتًا طويلة وتحتاج إلى إثبات الإدعاء تلك القضايا بإبراز أدلة مادية أو شهود عيان.


لكن الكويت مختلفة، فطبقة التجار تشارك الأسرة في حكم البلاد منذ عقود طويلة، والمتوقع أن تستمر العوائل التجارية التي نعرفها في الحصول على المناقصات المليارية لأعوام أخرى قادمة، لذا لم يكن أمام الحكومة سوى خيار الاستيلاء على أموال الناس بعد سحب جناسيهم، خاصة أن الأمر "سيادي" ولا يستطيع أحد التظلم أو التقدم للمحكمة ورفع دعوى أو شكوى إن تعرض لظلم.


لكن نظرية زوجتي لم ترق لي للأمانة. أنا لا أرى اتجاه الحكومة ناجم عن حاجتها لزيادة خزينة الدولة، ولا أرى العهد الجديد يسير في هذا الاتجاه، لكنني كنت محتارًا في سبب ملاحقة حملة الجنسية وفق المادة الثامنة.


حسابات وشخصيات مقربة من اليوسف والحكومة روجت على مدى الأسابيع الماضية إن استهداف كويتيات المادة الثامنة تهدف إلى خلق فرص وظيفية للمواطنات الأصليات، ووقف الامتيازات المالية التي لا تستحقها الأجنبية، لكن سرعان ما تهاوى هذا الطرح بعد أن عقد الوزير اليوسف مؤتمره الصحفي وأكد على أن راتب وتقاعد الكويتية المسحوبة جنسيتها لن تمس، وهو ما أعادنا مجددًا إلى المربع الأول، لماذا استهداف هذه الفئة؟ مالذي تستفيده الحكومة سوى السخط والغضب الشعبي وسوء السمعة الدولية؟


بعد تفكير طويل وعميق توصلت إلى استنتاج يبدو لي منطقيًا، الحكومة لا تحتاج لأموال المسحوبة جناسيهن ولا عقاراتهن أو شركاتهن وأسهمهن في الشركات، بل عينها على الوظائف العليا والحساسة التي تشترط أن يكون الكويتي لأبوين كويتيين.


يبدو لي أن الحكومة والعوائل التجارية التي تشاركها في إدارة الدولة توصلوا إلى استنتاج أن الوظائف العليا في الأجهزة الأمنية والعسكرية والسلكين القضائي والدبلوماسي باتت فيها المنافسة كبيرة بين أبنائهم وعموم الكويتيين، وإن إحدى أوجه تقليل هذه المنافسة تتمثل بسحب جناسي حوالي 40 ألف سيدة ما يعني إخراج ما لا يقل عن 120 ألف مواطن ومواطنة (بحساب معدل 3 أطفال للعائلة الواحدة) من المنافسة.


ويبدو هذا الاستنتاج متسقًا مع الأنباء عن إيقاف إيفاد عدد من السفراء بعد سحب جناسي أمهاتهم. شخصيًا أشك أن الحكومة ستتخذ إجراءات ضد من تم توظيفه في هذه المناصب الحساسة كي لا تفتح على نفسها أبوابًا أخرى جديدة مليئة بالمشاكل والضغوط، لكنها بالتأكيد استبعدت أي أحد ممن سحبت جنسية والدته من التقدم على مثل هذه الوظائف ابتداءًا من العام 2025.


ومثل هذا الاستنتاج متوافق مع الطريقة التي لطالما أدار فيها بعض أقطاب السلطة الدولة، على أنها مزرعة خاصة هم أولى بما فيها من الآخرين الذين لا يستحقون سوى الفتات، بل على الدوام كانت تنظر للمواطنين خارج دائرة عوائلهم أنهم مواطنين درجة ثانية لا يستحقون المميزات التي يحصلون عليها.


على الرغم من الصورة السوداوية التي ارتسمت لي ولأي قارئ لهذا المقال، إلا أنني متفائل بالمستقبل دائمًا، ولا أرى أن الحكومة لديها القدرة على تحمل تبعات سحب الجناسي بهذه الطريقة والأعداد الكبيرة لأشهر مقبلة، وأنها سترغم على التراجع عن هذه القرارات غير القانونية عاجلًا أم آجلًا.


وللحديث تتمة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تصنع 100 ألف معارض في 60 يوما؟

لجنة التظلمات تباشر أعمالها… ما العمل؟

الوزير اليوسف يكذب عليكم: جوازات كويتيات المادة الثامنة الزرقاء هي نفسها جوازات المادة 17