هكذا أصبحت الجنسية الكويتية وسيلة للضغط والابتزاز؟



قبل عدّة أعوام، وإبان عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، طيب الله ثراه، مرّت الكويت بخضّة أمنية وسياسية، تزامنًا مع أحداث "الربيع العربي" التي لامست الكويت حين حلّت في البحرين وسلطنة عمان. استغلت المعارضة تلك الأحداث، لتسير في خطط ومشاريع خاصّة بها، ومن خلفها شيوخ يبحثون عن تصفية الحسابات مع شيوخ في الطرف المقابل.

من ساحة الإرادة إلى اقتحام مجلس الأمّة، وما تلاها من أحداث مؤسفة، استطاع الشيخ صباح الأحمد استيعاب هذه الحركات الاحتجاجية بحكمته التي ميّزت عهده، فهو الحازم لكن السياسي في نفس الوقت الذي دائما ما يضع لك خط رجعة، وهو المحنّك الذي يجيد تفتيت المشكلة إلى مشكلات صغيرة، يسهل حلّها وإن بقيت بعضها دون حل، فإن ذلك لن يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

لكن بالتوازي مع لعبة السياسة الدقيقة التي كان يجيدها سمو الأمير، كانت الحكومة تجس النبض وربما للمرة الأولى، في استخدام الجنسية "كسلاح" للابتزاز والضغط السياسي على المخالفين.

بدأت الأمور بجنسية ياسر الحبيب، الذي لا يختلف اثنان أنه شخص فتنوي ويستحق السجن المؤبد وربما الإعدام على ما كان (ولا يزال) يقوم به، حينها صفق الجميع لسحب جنسيته (على الرغم من أن سحب جنسيته لم تراعى فيها الأصول القانونية). كان الجميع في الكويت متفقون على أن سحب جنسية الحبيب أمر مستحق، لكن أحدًا من النخب السياسية لم يستشعر أن هذا الإجراء غير القانوني سيفتح الباب أمام إجراءات غير قانونية تجاه آخرين قد لا يستحقون أيًا من ذلك، وأن التصفيق للإجراءات غير القانونية، وإن كانت ضد أشخاص لايستحقون أي تعاطف، سيفتح شهيّة الدولة على استخدام هذا السلاح لاحقًا لأسباب قد لا تكون وجيهة بل ربما ظالمة.

بالفعل هذا الذي حدث لاحقًا، حين استخدمت السلطة سلاح الجنسية في مواجهة النائب السابق عبدالله البرغش، والمتحدث باسم كتلة العمل الشعبي سعد العجمي، ومالك جريدة العالم اليوم أحمد الجبر بالإضافة إلى شخصيات أخرى مثل الداعية المعروف الشيخ نبيل العوضي.

لاحقًا قال النائب عن الحركة الدستور (حدس) السيد جمعان الحربش في حديث تلفزيوني إن تأييد سحب جنسية الحبيب كان خطأ، في اعتراف شجاع، قلّ ما يمتلكه رجل السياسة لدينا في الكويت، فالسياسيون في هذه البلاد لا يخطئون ولا يعتذرون أو يعترفون بأخطائهم لاحقًا.

كان الدكتور الحربش، صاحب نظرة بعيدة، هو يعلم أن الجنسية الكويتية لا يجب أن تكون سلاحًا بيد الدولة تستخدمه ضد الناس متى شاءت، وكان يريد من هذا التصريح، ولاحقاً من عمله هو وزملائه بتمكين القضاء من نظر قضايا الجنسية، لوقف عبث الدولة وسلطتها المطلقة في هذا المجال.

وفي عهد الشيخ مشعل الأحمد حفظه الله، ومع حل المجلس قبل حوالي 8 أشهر وتعطيل العمل ببعض مواد الدستور، وإعطاء الحكومة السلطة المطلقة لعمل ما تريد دون حسيب أو رقيب، عاد ملف الجنسية للواجهة، وهذه المرة لم يمس عددًا محدودًا من الأفراد، بل طال الآلاف، وبات يستهدف من حصلوا على الجنسية بصورة قانونية سليمة (المادة الثامنة والمادة الخامسة).

هنا أيضاً رأينا كيف أن الحكومة جست النبض في قضية الجناسي، بسحب جنسية الشاب المستهتر سلمان الخالدي، وكيف أن سحب جنسيته تمت أيضًا دون مراعاة للأصول القانونية، لكن أحدًا لم يعترض، والاعتراض هنا (كما الاعتراض على سحب جنسية الحبيب في 2010) لا تهدف للدفاع عن الأشخاص، وإنما الدفاع عن القانون والأصول القانونية الواجب مراعاتها واتباعها مع أي كان.

هنا أيضاً وبعد سحب جنسية الخالدي، فتحت شهية الحكومة ممثلة بالنائب الأول، وزير الداخلية والدفاع، الشيخ فهد اليوسف، وتحت ذريعة ملاحقة المزورين والمزدوجين بدأت حملتها في تجريد الناس من جنسياتهم.

وهنا يجب الإشارة إلى أن لا أحد في الكويت يرفض ملاحقة المزورين، والموضوع أساساً لا يخضع للمناقشة، المزور تسحب جنسيته، ويعاقب وفق القانون، وصولاً إلى الحكم ضده باسترداد ما اكتسبه جراء حصوله على الجنسية الكويتية بالغش والتزوير. وكذلك المزدوج، فالقانون الكويتي صريح في أن المزدوج تسحب جنسيته وفق إجراءات مرعية ومتبعة نص عليها القانون.

لكن المجتمع الكويتي دخل مرة أخرى في نقاش سطحي، حين أصبح التحريض على الكويتيين "البدو"، ووجهت الاتهامات لبعض القبائل بشكل خاص، في اتهامات عنصرية ظالمة، طالت قبائل محترمة لها تاريخها وإسهاماتها في البلاد، بأنها مزدوجة بأسرها، ومع الأسف فإن معظم الكويتيين "الحضر" سنة وشيعة ساروا خلف هذه الحملة، وبدأوا بتداول الأسماء التي تنشر في الجريدة الرسمية، والتي تشير إلى انتماء معظم المسحوبة/المسقطة جناسيهم لقبائل محترمة.

هنا وقع اليوسف في مشكلة حقيقية، تتعلق بأصل ادعاء وجود مئات الآلاف من المزورين والمزدوجين، لأن الحالات بقيت بالعشرات أو المئات في أفضل تقدير، فيما هو يبحث عن سحب آلاف الجناسي. ومن هنا جاءت فكرة تجريد كويتيات المادة الثامنة من جناسيهم دون وجه حق وبالمخالفة الصريحة للقانون، في إساءة للمرأة الكويتية بشكل مباشر وقبيح.

من هنا بدأ اللغط، إذ أن الكويت تُعرف منذ قديم الزمان بأنها مجتمع منفتح، منذ عشرات السنين كان عدد وازن من أبنائه يتزوجون من خارج البلاد (مقارنة ببقية شعوب دول الخليج التي في غالبيتها الساحقة تتزوج من نفس مجتمعها)، وهنا بدأنا نرى الأصوات تعلو رفضًا لهذا الإجراء غير المنطقي، لكن المشكلة التي وقعنا فيها مجدداً قضية "السيادة" والتي فهمت حسب تقديري بطريقة خاطئة.

واليوم فإن السكوت عن هذا التعدي السافر على القانون، سيعطي اليوسف والحكومة رخصة لسحب جناسي من تريد، أكانوا حصلوا على الجنسية بصفة أصلية (تأسيس أو ثانية)، أو كانوا متجنسون، وبالحجة ذاتها سيخرج علينا الوزير ليقول إن أحداً لا يمكنه اللجوء للقضاء لأن الجنسية قرار سيادي لا تنظر فيه المحاكم.

إن واجبنا كشعب كويتي اليوم أن نرفع الصوت عاليًا ضد سحب الجناسي بصورة غير قانونية، وإن الوزير عليه أن يعلم أن السيادة في أمور الجنسية لا تعني بأي حال من الأحوال سحب/إسقاط الجناسي بالمخالفة للقانون، فالقانون واضح وإجراءات السحب/الفقدان أو الإسقاط واضحة أيضاً، ولا تخضع لمزاجية وأهواء العنصريين من ذوي الدماء الزرقاء.


وللحديث تتمة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تصنع 100 ألف معارض في 60 يوما؟

لجنة التظلمات تباشر أعمالها… ما العمل؟

الوزير اليوسف يكذب عليكم: جوازات كويتيات المادة الثامنة الزرقاء هي نفسها جوازات المادة 17