اليوسف يحكم قبضته… والساير لم يكن الأول ولن يكون الأخير
منذ استلام فهد اليوسف لصلاحيات شبه مطلقة ودعم يبدو أنه غير مشروط من المقام السامي، وهو يتعامل مع كل الملفات بطريقة "كيفي"، فلم يعد الدستور ولا القانون شيئا مهما بالنسبة له، وصار الجواب لأي انتقاد "استدعاء من أمن الدولة للتحقيق".
بل الأمر تعدى الوزارات التي يشرف عليها إلى انتقاد وزارات أخرى مثل الخارجية وغيرها، وصار الانتقاد حتما يؤدي إلى استدعاء وربما يودي بصاحبه إلى السجن.
لكن تعامل أمن الدولة مع المستدعين الذين يتم استجوابهم يختلف بطبيعة الحال باختلاف القضايا التي استدعوا من أجلها، فمن استدعي لانتقاده أمرا إجرائيا في وزارة الأشغال، يختلف عمن تم استدعائه بسبب حديثه عن البصمة البيومترية، أو ملف الجنسية الذي على ما يبدو لا يقبل فيه اليوسف أي تسامح، ولا يريد لأحد أن يتحدث فيه تلميحا أو تصريحا.
ويعتمد اليوسف في ملاحقة وتطويق المنتقدين لعمليات سحب الجناسي الهائلة وغير المبررة إلى أكثر من خطوة، فهو من جانب يعتمد على حسابات بأسماء مستعارة (حسابات وهمية) مثل "كاشف المزورين" الذي بات ينشر قائمة المسحوبة جناسيهن من المادة الثامنة قبل وصولها للديوان الأميري لاعتمادها بمرسوم ونشرها في الجريدة الرسمية بحوالي أسبوع (آخر قائمتين نشرهما قبل أسبوع من النشر في الجريدة الرسمية وبذات الترتيب). فإلى جانب نشر الأسماء تعمل هذه الحسابات على مراقبة نشطاء شبكة "إكس" بشكل دقيق، ورفع الأسماء التي تلقى تفاعلا في الشبكة، وغالبا ما يصاحب ذلك حملة من التحريض تقوم بها هذه الحسابات ضد هؤلاء الأشخاص.
وتقوم الأجهزة الأمنية بعد ذلك بدورها (أمن الدولة، الجرائم الإلكترونية وغيرها)، إذ يقومون باستدعاء الشخص للتحقيق معه، وخلال التحقيق الذي يأخذ طابعا وديًا بالشكل، تمرر بالمضمون رسائل التهديد بالمصير الموعود.
يخرج المستدعى من التحقيق، ويفكر، ليتخذ قرار الصمت أو تخفيف الحديث عن ملف الجنسية.
إلى جانب ذلك يعمل فريق آخر لدى اليوسف للضغط على الصحف لعدم تمرير مقالات ناقدة بهذا الخصوص، أو لتمرير مقالات مؤيدة لإجراءاته غير القانونية، ونرى كيف أن الحملة التي كانت أشبه بثورة صحفية قبل أسبوعين (شاركت فيها شخصيات مثل أحمد المليفي وأحمد نبيل الفضل على الرغم من آرائهم السابقة المعروفة في ملف الجنسية)، لكن هذه الثورة سرعان ما تلاشت بعد لقاء رؤساء تحرير الصحف مع اليوسف والوزراء، بل أكثر من ذلك فإن معظم الصحف باتت تغطي موضوع سحب الجناسي باتجاه واحد يعكس تأييد الإجراءات لا معارضتها.
نلاحظ هنا كيف أن كتابا مثل الكاتبين القديرين حسن العيسى، ومحمد البغلي، كل من موقعه، قد توقفا عن كتابة التقارير/المقالات بل حتى التغريدات الناقدة لعملية سحب الجناسي. وحتى الآن ليس من المعلوم إن كان توقفهما أو تخفيفهما لحدة الانتقادات ناجمة عن ضغوط مباشرة عليهم من قبل أجهزة أمنية أو غير مباشرة عن طريق هيئة التحرير تهدف للضغط عليهم من أجل التخفيف من حدة هذه الانتقادات.
كما أننا لا نزال نجهل السبب وراء اختفاء المحامي خالد الزامل لحوالي أسبوع وإغلاق حسابه في الشبكة بشكل مؤقت، هل كان ذلك نتيجة ضغوط، أم كان الزامل قيد التحقيق، أم فعلا كان يحاول مغادرة البلاد دون إثارة أحد ووصوله إلى دولة آمنة كما أشاع البعض.
لا يستطيع أحد القول أنه يمتلك قائمة بأسماء من تم استدعائهم خلال الفترة القليلة الماضية، لكن بالتأكيد إن العدد غير قليل، بوجهيم مثلا عرفنا عنه بالصدفة إنه كان في مبنى أمن الدولة حين خرج إلينا لتبرئة ساحة الوزير اليوسف من التعدي علي لولوة الحسينان، وقال إنه كان موجودا في الوقت الذي استدعيت فيه الحسينان وقد رآها تخرج من المكتب الذي يتواجد فيه الوزير.
وبالفعل يمكننا أيضا أن نلحظ أشخاصا قرروا بشكل مفاجئ وقف حديثهم عن موضوع الجنسية مثل المحامية نورا مدوه، أبوعمر، فايز الفايز، بدر عيد وآخرين، في قائمة يبدو أنها ستطول إذا استمر الوضع القائم على ما هو عليه.
ويوم أمس تجرأ النائب الشاب مهند الساير للحديث عن الجنسية، وقال إنه لن يقبل ظلم كويتيات المادة الثامنة، فلم تتأخر السلطات في استدعائه بل وحبسه وكأنه مجرم، كي يكون عبرةً لزملائه الذين يفضل اليوسف أن يبقو صامتين أو يتكلمون بخجل وصوت منخفض.
اليوم يقف الشعب الكويتي بشكل عام والنواب بشكل خاص أمام مفترق طرق، فإما مقاومة هذه الإجراءات، أو الخنوع والقبول بالواقع الحالي، فإن قبلوا بهذا الوضع، لن ينتظرهم إلا مستقبل مظلم، ولن يكون الساير آخر المعتقلين، بل سيطال البطش الجميع حتى من يظنون أن كلامهم الذي هو أشبه بطلاسم سيكون مسموحا به من قبل اليوسف وفريقه، وأنهم سيكونون بمنأى عن البطش والتهديد وتقييد الحريات. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
وللحديث تتمة.
تعليقات
إرسال تعليق